كغيري
سمعت أن هناك خلف البحر توجد أماكن و مدن أثرية عريقة يتوافد إليها الناس
من كل مكان في العالم، و لكن لم أسمع قط أنه في الجزائر وخلف جبال تابلاط
المترامية الأطراف توجد مدينة سور الغزلان الرائعة و التي تضاهي بجمالها
مدينة أثينا.
لم أسمع قط أنها مدينة عريقة أسست بحسب المؤرخ الروماني" تاست" من طرف
الفينيقيين في القرن 16 قبل الميلاد أي 3605 .كانت تلقب قديما ب" أوزيا"
تيمنا بآلهة الخير و البركات أوزينوس لدى العبيد فهل يعقل أن يكون بإمكان
أي مواطن أن يعدد المناطق السياحية لتركيا مثلا أو لمصر فيما يجهل و لو
قليلا عن معالم موجودة في بلاده ؟
إلى مدينة سور الغزلان...عبر ولاية البويرة المروج و التلال البنية اللون
تودع الربيع لتستقبل الصيف بنسمات عليلة تلفح سائقي السيارات كدليل ترحيب
بالزوار ...الرعاة و قطعانهم التي تدك المحاصيل دكا و الأشجار الممتدة على
طول الطريق الخالي من الزحمة..انك لو تسمع عن هذه المناظر أمر جميل و لكن
أن تراها و تتحسسها و تشمها أمرٌ آخر، فعلا لا يوجد أجمل منك يا بلادي يا
جزائر.
معنى سور الغزلان
الأصل في تسمية المدينة بسور الغزلان ليس له علاقة
بحيوان الغزال و إنما بسور المدينة العظيم و الغزلان هي النوافذ الموجودة
فيه. يبلغ طول السور 3 كلم و سمكه 70 سم ارتفاعه يتراوح ما بين 5 متر إلى
10 متر. و يشكل السور مستطيلاً مزوداً بأربعة أبواب في وسط كل جهة محصن
بأنصاف أبراج. هو معلم من الحقبة الاستعمارية بني ما بين 1846 م-1862م .
ومن المؤسف أنه يتعرض إلى التلف و الزوال جزئيا بسب عدم الاهتمام به، فيما
يمكن أن يتحول إلى معلم سياحي خلاب لو أن مديرية الثقافة لولاية البويرة
تولي اهتماماً به من خلال ترميمه و حمايته من الاندثار.
الأبواب الأربعة
الدخول
إلى المدينة يكون عبر أبوابها الأربعة و هي باب الجزائر في الشمال بني سنة
1855 م يليه باب بوسعادة في الجنوب بني عام 1856 م ثم باب سطيف في الشرق
سنة 1857 م و باب مدية سنة 1856 م شبيهة بأبواب قصور الجان تتموقع في
الجهات الأربع للمدينة و كأنها حارس للمدينة و ما أصعب أن لا يكون للمدينة
حارس.
حجارتها البنية الملساء المتراصة و المصطفة بشكل متساوٍ و دقيق جعلتها
بوابات لأزمنة مختلفة صمدت رغم كل الحروب التي مرت بها العواصف التي عصفت
بها. و أنت تطأ عتبة كل باب يتبادر إلى ذهنك أن أمير الجزائر عبد القادر
قد مر من هذا الدرب و المحاربة الباسلة لالا فاطمة نسومر قد مرت من هنا
أيضا و بحسب الكاتب و المؤرخ عمر بوجردة صاحب كتاب "سور الغزلان تاريخ و
حضارة" فإن المنطقة شهدت عدة معارك طاحنة بين المستعمر الفرنسي و جل قادة
الثورات الجزائرية الذين ساهموا في صنع تاريخ استقلال المنطقة.
تجدر الإشارة إلى إن الأبواب الأربعة صارت ثلاثة فقد تم هدم الباب الرابع
و هو "باب مدية" بسبب سياسة استدمارية جديدة و الأبواب الأخرى مهددة
بالانهيار لأسباب متعلقة اما بالتغيرات التضاريسية أو لعوامل أخرى تشوهها
كالطلاء الذي يعبر عن عقلية جزائرية في تجميل العيوب.
إن سقوط باب من أبواب المدينة يمثل سقوط مكتبة ذات بعد حضاري و تاريخي مهم
للجزائر ككل لم نفهم لما في بعض المناطق كتيبازة يتم الحفاظ على حجر إن
وجد و في مناطق أخرى لا يتم تثمين المعالم حتى و إن وجدت.
مساجين وأصوات مرعبة في الليل
شيدت الثكنة العسكرية في الحقبة الاستعمارية عام
1850م و تقع وسط المدينة طولها 60 متر و عرضها 15متر تتربع على مساحة
اربعة هكتارات. الأصل أنها كانت منشأتين إحداهما دمرت عن آخرها بسبب حريق
كبير و بحسب رواية العديد من السكان فان أفعى شيطانية ضخمة و مرعبة ظهرت
في إحداهما و لم يكن من طريقة لقتلها سوى حرق المنشاة العسكرية . فيما لم
يبق سوى ثكنة واحدة تحوي على 16 زنزانة متساوية القياس و تحوي ممرات سرية
و أنفاق يقال أنها تصدر أصوات لأسرى معذبين من وقت الاستعمار.
و
حسب السيد بوزيد نائب رئيس بلدة سور الغزلان فان الثكنة شيدت على أنقاض
المدينة الرومانية القديمة فهي بالتالى تحتاج إلى عملية تنقيب من اجل
الكشف عن أثار المدينة" أوزيا" و تصنيفها ضمن المعالم الأثرية التي تفتخر
بها مدينة سور الغزلان. كما أن أعمال الحفر و العمران في المدينة كثيرا ما
تكشف عن منحوتات و أحجار رومانية رائعة الشكل و بزخارف ونقوش فنية تعود
إلى الرومان تمثل الخلفية التاريخية للمدينة العريقة حيث تقوم البلدية و
بمجهود شخصي بالاحتفاظ بها لوقت عرضها في متحف خاص و لعل أكثر رواية شيقة
حسب السيد بوزيد فانه و في سنة 1970 تم العثور على جرتين مملوءتين بالذهب
في أثناء تعبيد الطريق للمدينة.
ضريح المحارب تاكفاريناس حارس الموتى
نحو
منطقة الحاكمية التي تبعد عن المدينة ب 11 كلم جنوب شرق سور الغزلان و بين
صمت الجبال التي خلت على عروشها وبمنطقة الديرة وسط مقبرة للمجاهدين
الأبطال يوجد صرح من الحجارة البنية الملساء مستطيلة الشكل و المعلم
بطابقين ارضي و علوي يقع على مستوى مرتفع نسبيا يجعله يطل على جبال
القبائل الكبرى و بعض سهوب المنطقة الصحراوية.
الملفت في هذه التحفة المعمارية أن البناء ما زال في حالة جيدة على الرغم
من قدمه الذي يرجعه المؤرخ "بيربروجر" إلى عام 439 م و حكاية هذا الصرح
انه شيد لأحد أعيان الرومان. و يقال انه القائد " تاكفاريناس" الذي خاض
عدة معارك و انقلابات ضد الرومان بسب عدم تحقيقه لمآرب شخصية له و لعائلته
و لكن المنطق يستبعد أن يشيد الجيش الروماني صرحا لمترد عن الجيش لذلك
فالفرضية الثانية و التي تعتبر الصرح مركز حراسة هي الأقرب للتصديق كون
المكان استراتيجي جدا و يسمح بمسح المنطقة كليا كما أن البعض يستدل على
المكان باسم أولاد سلامة.
توجد
على بعض الحجارة نقوش و رسومات و حروف رومانية لا زالت واضحة هذا ما سمح
بالقيام ببعض الدراسات الفنية و المعمارية من اجل تصنيف الضريح الذي يعتبر
من أروع المخلفات الرومانية بالمدينة.
الحنية المائية....فخر المدينة
بحسب تعبير السيد بوزيد نائب رئيس بلدة سور الغزلان
فان الحنية تعتبر مدعاة فخر لمدينة سور الغزلان و فعلا اقل ما يقال عنها
أنها تحفة رائعة الجمال و فاتنة تبعد عن مركز المدينة بحوالي 2 كلم تتواجد
في المكان المسمى الأقواس تعود إلى العهد الروماني كانت تستعمل لتمرير
الماء إلى السكان بالمدينة القديمة كان عددها 8 لم يبق منها سوى واحدة قام
المستعمر الفرنسي يهدم الكثير منها و نهبها و سرقتها من اجل استخدام
حجارتها في بناء بيوت للجنرالات و المستوطنين و ذلك لسماكة حجارتها التي
يبلغ ارتفاعها إلى 5.2 متر و سمكها1.80 متر، يجرى من تحتها ماء الوادي و
تحفها الأزهار الوردية اللون و العشب الأخضر بشكل يشبه مداخل جنات بابل
المعلقة، ويقال أن العشاق أن مروا من تحتها فإن وصال الحب و العشق بينهم
لن يفك إلى الأبد!
لمدينة صور الغزلان معالم أخرى و أماكن تؤهلها لأن
تكون وجهة كل السياح الجزائريين الذين يحتاجون فعلا إلى معرفة بلادهم أكثر
و لما لا تتكاتف الجهات المعنية من أجل النهوض بقطاع السياحة في المنطقة
من اجل ان يصبح لعروس الجزائر صدى يخترق كل ربوع الوطن؟!